جرش تتأهب لموسم سياحي واعد بقيادة الأفواج الأوروبية

تعيش مدينة جرش الأثرية حالة من الاستعداد القصوى لاستقبال تدفقات جديدة من الزوار، بالتزامن مع انطلاق موسم العطلات والأعياد، حيث تتجه الأنظار بشكل خاص نحو المجموعات السياحية القادمة من القارة الأوروبية. ويأتي هذا النشاط في ظل تحسن المؤشرات الأمنية في الإقليم واعتدال الطقس، مما يبشر بموسم مميز.
وفي هذا السياق، أوضح مدير سياحة جرش، ثائر العياصرة، لـ”الغد” قائلاً: “لا سيما بعد استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة واعتدال درجات الحرارة مقارنة بدول سياحية أخرى، ودخول قطاع السياحة في جرش مرحلة التعافي”.
انتعاش ملحوظ وتوقعات إيجابية
وأشار العياصرة إلى أن المؤشرات الحالية تدل على خروج القطاع من حالة الركود السابقة، مضيفاً: “إن قطاع السياحة يمر حاليا بمرحلة تعاف واضحة، إذ تشهد الحركة السياحية ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، وأن تشهد الفترة المقبلة تحسنا أكبر مع حلول موسم الأعياد، ومواسم العطل الرسمية، إلى جانب اعتدال درجات الحرارة، والتخفيضات والتسهيلات، والبرامج السياحية التي تطلقها وزارة السياحة لتنشيط القطاع ودعم مختلف المنشآت العاملة فيه”.
كما نوه إلى المزايا التنافسية التي يتمتع بها الأردن، بقوله: “يتميز الأردن عموما ومحافظة جرش على وجه الخصوص باعتدال درجات الحرارة، فضلا عن تعدد المواقع الأثرية وتنوع الخيارات السياحية، إضافة إلى ما يتمتع به الأردن من أمن وأمان مقارنة بالأوضاع الأمنية والسياسية في عدد من الدول المجاورة”.
وعن الاستعدادات اللوجستية، أكد العياصرة: “أن مديرية السياحة، بالتعاون مع مديرية الآثار، أعدت جميع التجهيزات اللازمة لاستقبال الأعداد المتزايدة من الزوار، من حيث تجهيز المرافق والخدمات العامة، وتذاكر الدخول، وموظفي الاستقبال، وأعمال النظافة داخل الموقع الأثري، بما يضمن استيعاب هذه الأعداد وتمكينهم من قضاء أوقات سياحية هادئة في جرش”.
انعكاسات اقتصادية على السوق الحرفي
من جانبه، تحدث المتحدث باسم تجار السوق الحرفي، أحمد الصمادي، عن الأثر الاقتصادي المباشر لهذا الحراك، مؤكداً: “أن النشاط السياحي في هذه الفترة تحديدا ينعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية لتجار السوق الحرفي، والمطاعم السياحية، وبقية القطاعات المرتبطة بالسياحة، إضافة إلى الأدلاء السياحيين”.
وأضاف الصمادي واصفاً أهمية التوقيت الحالي: “إن هذه الأشهر تعد ذروة الموسم السياحي، مع بدء توافد الأفواج السياحية الأوروبية التي تفضل الأردن لما يتميز به من اعتدال المناخ، وتعدد المواقع الأثرية، وتوافر الأمن والأمان، فضلا عن البرامج السياحية التي أعدتها وزارة السياحة”.
كما أبدى تفاؤله بتحسن المبيعات، متوقعاً: “أن الحركة التجارية ستتحسن بنسبة لا تقل عن 40 % مقارنة بالأشهر الماضية، ما سينعكس إيجابا على أوضاع التجار الاقتصادية، خصوصا في ظل معاناتهم من ركود الحركة سابقا، إضافة إلى استغلال بعض الأدلاء السياحيين لحركة الشراء، وحصولهم على عمولات من محال تجارية كبرى مقابل توجيه السياح إليها”.
تحديات مدة الإقامة وآثار الركود السابق
ورغم التفاؤل، طرح الصمادي إشكالية قصر مدة زيارة السائح للمدينة، قائلاً: “أن إحدى أبرز مشكلات السياحة في جرش تتمثل في قصر مدة مكوث السائح، إذ ما تزال المدينة، رغم أهميتها ومساحتها الواسعة، جزءا من البرامج السياحية دون تخصيص يوم كامل أو أكثر لها، ما يحرم السائح من فرصة الاستمتاع بمعالمها المتعددة والتجول بحرية في السوق الحرفي والشراء منه”.
وعبّر عن طموحاته المستقبلية للمدينة بقوله: “أن تُعامل مدينة جرش سياحيا كما تعامل مدينة البتراء، وأن تحصل على نصيبها العادل من الحركة السياحية، بما يمكن تجارها وسكانها من الشعور بآثار هذا النشاط والانخراط فيه، لا سيما أنها من أكبر المدن السياحية على مستوى المملكة، في حين ما يزال سكانها بعيدين إلى حد كبير عن العمل في القطاع السياحي أو الاستثمار فيه”.
يُشار إلى أن تداعيات العدوان على غزة المستمر منذ أكثر من عامين، ألقت بظلالها الثقيلة على القطاع، ما أدى لإغلاقات وتسريح للعمالة. وفي هذا الصدد، أشار التاجر ماهر المعيقلي إلى معاناة الأدلاء السياحيين، موضحاً: “أن الأدلاء السياحيين يشاركون التجار معاناة هذا الركود غير المسبوق، نتيجة الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة، إذ تحول كثير منهم إلى ملاحقين قانونيا بسبب تراكم الديون وأقساط القروض البنكية والالتزامات الشهرية، في ظل توقف مصادر دخلهم وعدم قدرتهم على العمل في مهن أخرى، خصوصا أنهم يعتمدون بشكل كلي على السياحة الخارجية”.
وأكد المعيقلي صعوبة الفترة الماضية قائلاً: “أن العامين الماضيين يعدان من أسوأ المواسم التي مرت على الحركة السياحية والعاملين فيها، ما اضطر العديد من التجار إلى فتح محالهم لساعة واحدة فقط يوميا وإغلاقها بقية الوقت لغياب الزوار، إلى جانب الاستغناء عن العمالة، وتقديم تخفيضات كبيرة غير مجدية في ظل غياب الحركة السياحية، الأمر الذي أدى إلى تراكم الأجور والفواتير والضرائب، وعجزهم عن ترخيص المحال أو دفع مستحقات الضمان الاجتماعي”.
دعوات لتعزيز البنية التحتية والاستفادة المحلية
بدوره، أكد الخبير والدليل السياحي الدكتور يوسف زريقات، عضو مجلس محافظة جرش السابق، على أهمية الموسم الحالي: “إن هذه الفترة تشهد حركة سياحية أجنبية نشطة، خصوصا من السياحة الأوروبية، ضرورة أن يشعر أبناء جرش بهذه الحركة وأن يستفيدوا منها عبر شراكة حقيقية مع المجتمع المحلي في المشاريع السياحية”.
وحذر زريقات من ضعف انخراط المجتمع المحلي، موضحاً: “أن الفجوة بين السياحة وأهالي جرش ما تزال كبيرة وتتسع مع الوقت، باستثناء بعض المطاعم السياحية وتجار السوق الحرفي، وهي فئة محدودة مقارنة بالحجم السياحي الكبير الذي تتمتع به مدينة جرش”.
ودعا إلى تطوير مرافق الإقامة بقوله: “إنشاء شاليهات وفنادق صغيرة في جرش لتمكين السياح من الإقامة عدة أيام، أسوة ببقية المدن الأثرية في المملكة، التي تضاهيها جرش من حيث القيمة الأثرية والجمال والمساحة”.
كما توقع زريقات انتعاشاً تجارياً كبيراً: “أن تنشط حركة البيع والشراء خلال ذروة الموسم بنسبة لا تقل عن 70 % مقارنة ببقية أشهر السنة، لا سيما أن هذه الفترة تتزامن مع الأعياد والعطل الرسمية في العديد من الدول الغربية، ما يمنح التجار فرصة لتعويض خسائرهم وتغطية تكاليف العمل، إلى جانب استفادة المطاعم السياحية ومختلف المنشآت التجارية التي تقدم خدماتها للسياح”.
وفي ختام التقرير، لفت أحمد العتوم، صاحب أحد المطاعم السياحية، إلى الطبيعة الموسمية للعمل: “إن الحركة السياحية في المدينة تنشط خلال فترات محددة، وتحديدا في هذه الأشهر التي تشهد توافد السياحة الخارجية، في حين تتراجع تدريجيا خلال بقية أشهر السنة حتى تكاد تنعدم في منتصف العام، ما يحمل أصحاب المطاعم خسائر مادية كبيرة، خاصة أن العديد منها يعمل بشكل جزئي، فيما أغلقت مطاعم أخرى أبوابها بالكامل”.
وختم العتوم حديثه بالتأكيد على أهمية الفترة الحالية للتعويض المادي: “أن هذه الفترة تشهد حركة نشطة للأفواج السياحية الأوروبية، وأن قطاع السياحة في جرش يدخل مرحلة التعافي، والكل يعول عليها في تغطية تكاليف العمل والأجور والفواتير المتراكمة خلال الأشهر الماضية”.



