الاقتصاد والأعمال

مدينة عمرة: أيقونة استثمارية تجسد رؤية التحديث الاقتصادي للأردن

يُمثل مشروع “مدينة عمرة” تجسيداً حقيقياً للطموحات الأردنية الرامية إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى، تندرج في صلب رؤية التحديث الاقتصادي الهادفة إلى تأسيس اقتصاد وطني يتسم بالقوة والاستدامة. وتدخل المملكة العام الجديد بخطوات واثقة نحو تنفيذ حزمة من المشاريع الحيوية التي ترسم ملامح مستقبل الوطن، وتشمل قطاعات مفصلية كالمياه، والطاقة، والنقل، والسكك الحديدية، وتطوير البنى التحتية.

ويرى خبراء ومراقبون للشأن الاقتصادي أن مدينة عمرة ليست مجرد مشروع عمراني، بل هي استثمار استراتيجي يرتبط عضوياً برؤية التحديث، ويهدف بشكل مباشر إلى تحفيز معدلات النمو، وتنويع مصادر الدخل القومي، والارتقاء بتنافسية الاقتصاد الأردني. ويؤكد هؤلاء أن المشروع يشرع أبواباً واسعة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويخلق بيئة أعمال عصرية، مقدماً نموذجاً للتطور الحداثي الذي يصب في مصلحة المواطن ويدعم ركائز الاقتصاد.

نموذج لمدن المستقبل الذكية

في قراءته لأبعاد المشروع، أوضح الوزير الأسبق وأستاذ الهندسة المدنية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، محمد طالب عبيدات، أن مدينة عمرة تُعد مشروعاً حضارياً وعصرياً وذكياً، يجسد توجهاً استراتيجياً نحو بناء مدن المستقبل، ويعكس إرادة الدولة الحقيقية في الانتقال إلى نموذج تنموي أكثر كفاءة واستدامة. وأكد أن المشروع يتجاوز كونه توسعاً عمرانياً تقليدياً، ليمثل رؤية تنموية حضرية متكاملة ترتكز على التخطيط العلمي والابتكار بهدف تحسين جودة الحياة.

ولفت عبيدات إلى أن الجدية في التنفيذ تتضح من خلال إطلاق رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان لمشاريع البنى التحتية، مما يشير بوضوح إلى أن الحلم بدأ يتحول إلى حقيقة على أرض الواقع. وبين أن تصميم المدينة تم وفق أرقى المعايير العالمية للمدن الذكية، معتمدة على بنية تحتية متطورة وتكامل في منظومات النقل والطاقة والمياه والاتصالات، فضلاً عن توظيف الحلول الرقمية في إدارة المرافق والخدمات العامة.

وأشار عبيدات إلى أن هذا النموذج المتطور يسهم بفاعلية في ترشيد استهلاك الموارد، وتقليل الكلف التشغيلية، وتعزيز الاستدامة البيئية، بما يتماشى مع التزامات الأردن الدولية في حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. كما شدد على أن المشروع يولي “البعد الإنساني” أهمية قصوى عبر توفير مساحات خضراء، ومرافق تعليمية وصحية، وبيئة آمنة وجاذبة للسكن والعمل بعيداً عن الازدحام الخانق في العاصمة عمّان ومحيطها.

واختتم عبيدات حديثه بالتأكيد على أن المشروع سيفتح آفاقاً واسعة لاستقطاب الشركات في مجالات التكنولوجيا والخدمات والصناعات المعرفية، إضافة إلى قطاع الإنشاءات. وأضاف أن المشروع سيعزز فرص العمل بشكل ملموس، سواء الوظائف المباشرة خلال مراحل التنفيذ، أو غير المباشرة الناتجة عن تنشيط سلاسل التوريد، مما يشكل رافعة حقيقية لمعالجة تحدي البطالة، خاصة بين الشباب المؤهل.

التكامل مع الناقل الوطني والحلول السيادية

من جانبه، أكد الوزير السابق والخبير الاقتصادي الدكتور خير أبو صعيليك، أن الحكومة استندت في خطواتها إلى دراسات معمقة وشاملة، غطت الجدوى الاقتصادية، والجوانب الفنية والهندسية، والأثر البيئي، وصولاً إلى الأطر القانونية والتنظيمية ودراسة المخاطر المحتملة.

وشدد أبو صعيليك على أنه “لا يمكن قراءة مشروع مدينة عمرة بمعزل عن المنظومة التنموية الشاملة، وعلى رأسها مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ومشاريع النقل”، مشيراً إلى أن الترابط بين هذه المشاريع يمثل مساراً استراتيجياً يستند إلى رؤية التحديث الاقتصادي. وأكد أن عملية ضخ المياه المحلاة من العقبة وصولاً إلى عمان والزرقاء والمدينة الجديدة تبرهن على أن الأردن يمتلك الحلول السيادية الكفيلة بمواجهة تحدياته المائية.

وأوضح أبو صعيليك أن مدينة عمرة تقدم نموذجاً للتطور الحداثي والتوسع خارج الأطر التقليدية، بما يضمن حياة كريمة للأجيال القادمة في ظل بنية تحتية تليق بمستقبل المملكة. ونوه إلى أن بناء مدينة من الصفر يعني خلق آلاف فرص العمل في قطاعات الهندسة والإنشاءات والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، مؤكداً أن تشبيك المشاريع الكبرى مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيعزز القيمة المضافة المحلية ويدعم الشركات المعتمدة على الابتكار ورأس المال البشري الأردني الكفؤ.

أبعاد اقتصادية واجتماعية واعتماد على الموارد المحلية

بدوره، وصف المهندس فواز القطان، نائب رئيس هيئة مديري مجموعة محمد القطان وأمين سر غرفة التجارة الأوروبية بالأردن، المشروع بأنه “مشروع وطني بامتياز ويغطي أبعادا اقتصادية واجتماعية مهمة وهو بداية لمدينة متكاملة وامتداد لثلاث مدن رئيسة ويرتبط مع خطوط اتصال إقليمية وتاريخية”. ودعا القطان إلى ضرورة إنشاء مناطق صناعية متعددة القطاعات داخل المدينة، تركز بشكل خاص على الطاقة المتجددة، والامتثال البيئي، والصناعات التقنية، لتكون نقطة جذب للاستثمارات المحلية والأجنبية.

وفي السياق ذاته، سلط المهندس عبدالودود الكردي، مدير عام شركة المسيرة للصناعات وتصميم البرامج المحوسبة، الضوء على أهمية خطة تزويد المشروع بمواد البناء، مبيناً أنها تعكس نسبة مشاركة السوق المحلي. وأعرب عن أمله في أن تنشأ صناعات محلية ضخمة لا تقل فيها نسبة المواد المتوفرة من المناجم الأردنية عن 75%، بالإضافة إلى إدارة المشروع التي ستعتمد بنسبة لا تقل عن 90% على الكوادر الأردنية.

ودعا الكردي في ختام حديثه إلى تكثيف الجهود للترويج للمشروع وتسويقه وبيان إيجابياته، مشيراً إلى أن هذا المشروع الاستراتيجي كفيل بحل مشاكل البنية التحتية وتخفيف الضغط السكاني عبر إيجاد بنى حديثة ومتطورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى