رحالة أردنيون يستغلون التقنيات الرقمية للدعاية السياحية للمملكة

يتنقل المغامر الأردني الدكتور عبدالسلام العجارمة في رحلة دولية استثنائية بمركبته، عابرًا قارات العالم ومحملًا بقصص وسِيَرِ تعبر عن مسيرة الأردن ونهضته وازدهاره.
تحمل هذه الرحلة اسم “رحلة الوفاء”، التي بدأت من مدينة عمان في 10 أغسطس الماضي، مصادفةً لوصول الفريق الوطني الأردني إلى النهائيات في كأس العالم 2026، والتي ستنعقد في كندا والولايات المتحدة والمكسيك.
وقال العجارمة، إنّ “الرحلة تحمل أسمى مشاعر الحب والولاء للوطن والقيادة الهاشمية”، مؤكدًا أنها تعكس مدى الإخلاص للأردن، وتُجَسِّد التفاني في نشر رسالة المملكة عالميًا.
وأوضح، أن الرحلة تسعى لعبور أكثر من 60 دولة، حيث ستساهم في الإعلان عن الأردن سياحيًا واقتصاديًا وثقافيًا، عبر مشاركة شعوب الدول مع عاداتنا وتقاليدنا، ودعوتهم لاستكشاف الأردن كوجهة سياحية مميزة مليئة بفرص الاستثمار.
وأبرز العجارمة أن مركبته مُزَيَّنَة بأروع اللافتات والصور للمعالم السياحية الأردنية، مع شعار “Visit Jordan”، بالشراكة مع هيئة تنشيط السياحة، مشددًا أن هذه المبادرة تُظْهِر مكانة الأردن كبلد الكرم والحضارة والطموحات المستقبلية، وتركز على تراثه الغني وجمال طبيعته الآسر، موضحًا أن الدعم لهذا المشروع الوطني جاء من جهات رسمية مثل هيئة تنشيط السياحة، ووزارة الثقافة، والبريد الأردني، وسلطة إقليم البترا، إلى جانب شركاء من القطاع الخاص الذين يقفون خلف هذا العمل النبيل.
وأكد أن هيئة السياحة تُعَدْ شريكًا أساسيًا، إذ توفر دعمًا لوجستيًا وأخلاقيًا، حيث زودته بأدوات أساسية مثل نظارات الواقع الافتراضي (VR) والبروشورات.
كما أفاد، أن الاتفاق مع وزارة الثقافة يشمل مشاركتها في مراحل معينة من الرحلة، مثل الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، للتعريف بالثقافة والهوية الأردنية بأسلوب فريد ومبتكر.
“تسير الرحلة برًّا عبر الأراضي الأردنية، ثم تنطلق إلى أوروبا، تليها عبور روسيا والصين وكوريا الجنوبية واليابان، قبل أن يتم شحن السيارة عبر البحر من اليابان إلى أميركا لاستكمال المسيرة في القارة الأميركية، بما في ذلك كندا، انتهاء ببلدان العالم التي ستشهد حضورًا مهما لهذا الحدث الوطني،” بحسب العجارمة.
وأضاف: “انضمت وزارة الثقافة كشريك رئيسي في هذا المشروع الوطني، حيث يتم العمل على تطوير طرق تفاعل الجماهير العالمية مع الحدث بآليات عرض مميزة، وفعاليات تفاعلية ومعارض تعريفية تجسد جمال الأردن وتاريخها وتراثها وأبرز معالمها السياحية في كل دولة، باستخدام شاشات عرض كبيرة وأهازيج وأغان وطنية، تتيح للجمهور استكشاف أعماق بلادنا من خلال محتوى بصري مميز وملهم”.
وأشار العجارمة، إلى أنه أخذ إجازة قصيرة لتحديث معدات العرض، مضيفًا أنه سيتم تركيب شاشة على سطح السيارة لعرض فيديو تعريفي عن الأردن بطريقة تفاعلية وجمالية، مؤكدًا أن الرحلة ستستأنف من إيطاليا، حيث توقفت السيارة حاليًا.
من جانبه، قال الرحالة والمُوَثِّق الأردني عبدالرحيم العرجان: “خلال ترحالي قمت بتوظيف التكنولوجيا بما أتيح لنا من وسائل وتقنيات للترويج داخليًا وعبر الحدود، خصوصًا من خلال عقد الندوات الفكرية ونقل التجربة بتقنيات الاجتماعات عبر (الزوم)، ومنها ندوة (ما لا تعرفه عن البترا) لمنتسبي سابلة الحسن، بالإضافة إلى ندوة الثقافة والعلوم الإماراتية حول تفعيل دور المتاحف في عصر التكنولوجيا وغيرها الكثير على منابر الجامعات وكبريات المحافل حول ممارسات المسير والترحال والسياحة الثقافية والبيئية، وكذلك في رواق منتدى “قدرات” بحضور عدد من المهتمين”.
وأضاف، خلال تجوالي الدولي كنت أترك أثرًا دائمًا من ملصقات في دور الاستضافة والمخيمات المخصصة للسياح لموقع هيئة تنشيط السياحة ودرب الأردن “دربنا الوطني”، بالإضافة إلى (باركود) لسهولة الدخول مطبوعًا على حقيبتي، مقرونًا أيضًا بشعارات لدعوة الأردن ضمن تصميم ملابسي تمثل إرثنا التاريخي وتراثنا الوطني، “والجميل أنه قبل أيام بعث لي صديق صورة ملصقاتي في مسار (أنابورنا) بجبال الهملايا الذي سرت به عام 2019م وقمة (ميرا بيك) 2023م، وصولًا إلى ارتفاع 6472 مترًا بدعم من هيئة تنشيط السياحة”.
وتابع، “أكملت لغاية هذه اللحظة كتابة 146 تقريرًا متخصصًا في سياحة المغامرة مشفوعًا بصور فوتوغرافية احترافية لمواقع غابت عن البال أو نادرًا ما تُزَار، بناءً على علاقة الإنسان بالجغرافيا عبر التاريخ، ولتحقيق الانتشار الأكبر أعيد نشر رابط المقالات على وسائل التواصل الاجتماعي وقائمة الواتس آب، حيث كانت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية تحقق أعلى نسب قراءة للجهة الإعلامية الناشرة في ذلك اليوم”.
وأفاد العرجان أن “هيئة تنشيط السياحة تبنت طباعة كتاب جامع لـ52 مقالًا، بالإضافة إلى إعداد 5 أبحاث متخصصة تعالج مشكلات وحلولًا طرحت في مؤتمرات علمية تناولت الفرص المتاحة للاستثمار والاستدامة والحث على الممارسة وتمكين أهل المناطق القروية والبادية”.
كما تم ترسيم عدد من المسارات منها مسار (سوف الريفي) وتقديم فكرة والترسيم الأول لمسار الحج المسيحي (جبل نيبو – المغطس) لصالح وزارة السياحة والآثار والإشراف على تنظيم الاستراتيجية الوطنية للسياحة الثقافية في المثلث الذهبي وتنظيم مسار (النهضة) لصالح وزارة الثقافة.
أما آخر مساراتي فكانت قطع سيناء كاملة سيرا على الأقدام ضمن “درب البدو” سائرًا على الطريق النبطي الواصل ما بين مصر والشمال الإفريقي مرورًا بـ”أيلة” (العقبة) وملتقى القوافل في الحميمة، التي كانت شعار الرحلة (من الحميمة إلى سيناء)، والتي لقيت اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا على المستوى المحلي والدولي”، بحسب العرجان.
وعن دور وزارة الثقافة الأردنية في دعم المبادرات الفردية الخاصة بترويج الأردن في الخارج سياحيًا وثقافيًا، قال الأمين العام لوزارة الثقافة نضال العياصرة، إنّ “الوزارة تدعم المبادرات الفردية لترويج السياحة والثقافة خارجيًا من خلال: المسارات السياحية، وهي طرق محددة تمتد عبر مواقع طبيعية أو تاريخية أو ثقافية تربط بين المكان وبعض الأحداث التاريخية والشخصيات والأعلام الذين عاشوا في المكان، وتربط المعالم السياحية ببعضها بعضًا من خلال توفير مسارات للمشي، وركوب الدراجات، واستكشاف المناطق الطبيعية، والتي تركز خلال ذلك على التفاعل الثقافي والاجتماعي، ومنها: المثلث الذهبي، البترا ورم والعقبة. ومادبا وصياغة (جبل نيبو)”.
وتابع: “كذلك من خلال المخيمات الإبداعية والتي تنظمها وزارة الثقافة أو مديريات الثقافة في المحافظات، وهي مخيمات إبداعية ثقافية، منها مخيم ضانا الإبداعي والذي يستهدف المبدعين في مختلف المجالات الفنية والأدبية، والذي يهدف إلى إبراز الجانب الثقافي والسياحي، وربط المبدع بالمكان، ويتضمن ورش عمل في الفنون البصرية والكتابية، فضلًا عن الأيام والأسابيع الثقافية وهي البرامج التي تنظم في الدول العربية الشقيقة أم الدول الصديقة وتشتمل على عدد من المفردات الإبداعية والتراثية، والأمسيات والمحاضرات والندوات والإصدارات التي تعرف بتاريخ الأردن وحضارته، وتعرف بمبدعيه”، بحسب العياصرة.
وأشار إلى أنه من بين المبادرات، المنصات الإلكترونية التفاعلية والتي تسهم في إتاحة الفرصة للمبدعين والحرفيين والفنانين التشكيليين والخزافيين، ومن لديه مبادرة إلى الانفتاح على الفضاء الإلكتروني، وهي تتيح عرض الأفكار والمشاريع وخصوصًا البصرية التي ترتبط بالمكان وجمالياته وتاريخه، إضافة إلى الصناعات الثقافية والتي تتم من خلال رعاية الفنانين والكتاب ودعمهم في الإصدارات التي من شأنها التعريف بالأردن، وكذلك تسويق المنتجات والخدمات الثقافية، مثل: الفنون البصرية والموسيقى والفنون الأدائية والحرف والمنتجات الشعبية، وربطها بالسياحة الثقافية والبيئية لخلق قيمة اقتصادية واجتماعية.
ويعزز دعم وتمكين المبادرات والمشاريع الفردية الحراك الثقافي على مستوى الأقاليم، حيث تعمل الصناعات الثقافية على تسويق السياحة الثقافية من خلال تحويل المنتجات الثقافية إلى خدمات ومنتجات سياحية.
وعن اتفاقية دعم الرحالة عبدالسلام العجارمة، قال العياصرة، إنّ “وزارة الثقافة قدمت دعمًا فنيًا ومعنويًا وماديًا للرحالة الدكتور عبدالسلام العجارمة في مبادرته ‘رحلة الوفاء من عمان إلى المونديال'”.
وبيَّن، أن دعم مبادرة العجارمة يأتي كجزء من دعم المبادرات الفردية التي تهدف للترويج للثقافة الأردنية، والتي تمثل جزءًا من استراتيجية الوزارة لتوسيع نطاق التوعية بالتراث الثقافي الأردني.
ولفت العياصرة إلى أن هذا الدعم جاء في إطار جهود الوزارة لدعم المبادرات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز صورة الأردن الحضارية على الساحة الدولية، والترويج للأردن سياحيًا وثقافيًا على مستوى العالم.
وأضاف: تشمل الرحلة المرور بأكثر من 60 دولة، والتي تتيح الفرصة للتعريف بالأردن حضاريًا وتاريخيًا وثقافيًا وسياحيًا من خلال ما يقوم به الرحالة العجارمة، واصفًا رحلته بمثابة مجموعة من الفعاليات المتنقلة للتعريف بالأردن ودعم منتخب النشامى.
ولفت إلى أنه في عام 2023 نفذت وزارة الثقافة ورشة عمل بعنوان (المقومات الأساسية لإنجاح المسارات الثقافية السياحية في المثلث الذهبي)، نوقش فيها واقع المسارات وتطويرها برؤى عصرية تحفظ روح التراث وميزة المواقع الأردنية وتنافس على المستوى العربي والعالمي وقدم المشاركون عدة توصيات ومقترحات تناولت تتبع مسارات سياحية جديدة وتقديم حلول عملية في تطويرها وتم تكليف الرحالة عبدالرحيم عرجان بإدارة فعاليات الورشة.
وقال نائب عميد كلية الأعمال للبحث العلمي والدراسات العليا في جامعة البلقاء التطبيقية والمتخصص في التسويق السياحي فواز علي الحماد، إنّ “رحلات الرحالة تمثل شكلًا حديثًا من أشكال التسويق السياحي القائم على التجربة الحية والمحتوى البصري، فهي لا تعتمد على الإعلانات التقليدية، بل تروج للأردن من خلال قصص إنسانية تلهم المتابعين حول العالم”.
وأضاف: “عندما يرى الناس سيارة تجوب القارات تحمل شعار ‘Visit Jordan’ وصورًا لمعالم مثل البترا والبحر الميت ووادي رم، يحدث ذلك ارتباطًا عاطفيًا وصورة ذهنية إيجابية عن الأردن كبلد آمن ومضياف وغني بالتراث، كما أن التغطية الإعلامية والرقمية لهذه الرحلات تعزز تأثيرها المستمر والمتراكم، الذي يفوق أي حملة تسويقية تقليدية”.
وأكد الحماد ضرورة، أن تعكس هذه الرحلات روح الأردن الأصيلة، ليس فقط من خلال المواقع السياحية، بل من خلال القيم الإنسانية والثقافية التي تميزنا، مثل الكرم والنخوة والتسامح والضيافة البدوية، كما يجب إبراز الموروث الثقافي غير المادي، كالأهازيج والأزياء الشعبية والفنون التراثية والمأكولات الأردنية الأصيلة، التي تترك أثرًا عميقًا في ذاكرة الزوار.
وأشار إلى أن هذه الرحلات تسهم في دعم المجتمعات المحلية على مستويات متعددة، منها الجانب الاقتصادي، إذ تفتح المجال أمام الحرفيين والمشاريع الصغيرة لعرض المنتجات والترويج لها في الخارج، سواء عبر المعارض أو من خلال روابط إلكترونية مرتبطة بالرحلة. كما يمكن للمجتمعات المحلية الاستفادة من زيادة الطلب على منتجاتها وخدماتها، خاصة مع التنسيق مع هيئات السياحة والبلديات.
وعن الاستراتيجيات التسويقية الأكثر فاعلية لجذب السياح المهتمين بالثقافة والتراث، لفت الحماد، إلى أن التسويق القصصي يُعَدْ المدخل الأهم، حيث يتم سرد قصة الأردن بطريقة تلهم المتلقي، وتجعله يرغب بزيارة المكان ليعيش التجربة بنفسه. يجب أن يبرز المحتوى السردي العلاقة بين الإنسان والمكان، مثل العلاقة بين الحرفي والمنتج، أو بين البدو والصحراء، أو بين التاريخ والحاضر.
وأوصى الحماد باستخدام التقنيات الرقمية مثل الفيديوهات القصيرة والبث المباشر والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتعاون مع المؤثرين المحليين والعالميين الذين لديهم جمهور مهتم بالسفر والثقافات.
واقترح توظيف التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) في المعارض، بحيث يمكن للزوار “استكشاف الأردن رقميًا”، والتجول افتراضيًا في البترا أو وادي رم أو البحر الميت.
ولتطوير البرامج، أوصى الحماد، بتحويلها تحت مظلة مشروع وطني مستدام، بحيث يكون أكثر استدامة وجاذبية، وذلك من خلال تأسيس لجنة تنفيذية وطنية تضم هيئة تنشيط السياحة ووزارة الثقافة والبريد الأردني وسلطات الأقاليم السياحية، لتنسيق الأدوار ووضع خطة تشغيلية متكاملة. كما دعا إلى تعزيز الاقتصاد المحلي عبر إشراك الحرفيين في هذه الفعاليات، وتزويدهم بتدريب بسيط في التسويق الرقمي وإدارة المبيعات.
وأكد الحماد أهمية تطبيق هذه التوصيات، والتي ستحول رحلات “رحالون” من مبادرة رمزية إلى منصة تسويقية وطنية مستدامة، تصبح سفيرًا متنقلًا للأردن، تعرف بثقافته واقتصاده وتاريخه بطرق مبتكرة وقريبة من الناس. كما ستربط بين الترويج السياحي والتنمية المحلية، وبين حب الوطن والعمل من أجله في الداخل والخارج، وهذا هو جوهر التسويق السياحي الحقيقي: أن تروي قصة الوطن للعالم بلغة تجمع بين الأصالة والإبداع.
ورأى الخبير الاقتصادي قاسم الحموري، أن تأثير الرحالة الأردنيين الحاليين محدود؛ بسبب قلة عددهم وتكرار رحلاتهم، إلا أنه على الرغم من ذلك، يؤكد أن هؤلاء الرحالة يمكن أن يلعبوا دورًا فعالًا في الترويج للسياحة الأردنية، خاصة إذا كانوا مدربين ومؤهلين ومزودين بالمعلومات الثقافية اللازمة عن الأردن، ومتسلحين بتكنولوجيا العصر في إبراز معالم الأردن السياحية.
وشدد الحموري على أن قطاع السياحة في الأردن حيوي للغاية، فهو يسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، ويعزز النمو الاقتصادي، ويوفر فرص العمل.



