الجسر الجوي البولندي إلى العقبة: بداية موسم سياحي شتوي مشجع

تشهد مدينة العقبة تعزيزاً في انتعاشها ضمن الخريطة السياحية الإقليمية، عقب توقف دام حوالي عامين بسبب الظروف الإقليمية، وذلك مع إطلاق رحلة جوية عارضة أسبوعية مباشرة من بولندا إلى مطار الملك الحسين الدولي، في خطوة إيجابية تبعث الأمل بموسم شتوي ناجح للمدينة التي تمثل مثلثاً سياحياً متميزاً يجمع بين شواطئ البحر الأحمر والعجائب في البترا ووادي رم.
تُعد إعادة تشغيل الرحلات العارضة علامة استراتيجية حاسمة في السياحة بالعقبة، حيث تعكس استعادة الطلب المنظم من الخارج على الوجهة، وثقة الشركات السياحية العالمية ببيئتها الآمنة، بالإضافة إلى تأثيرها الإيجابي على أداء المطار، وامتداد الفوائد إلى السياحة الداخلية والوظائف في الفنادق والخدمات اللوجستية، مما يعزز صورة الأردن السياحية في أسواق أوروبا الوسطى والعالمية.
وأفاد خبراء ومراقبون في القطاع السياحي بأن إعادة الطيران العارض إلى مطار الملك الحسين الدولي عقب غياب دام أكثر من عامين تحمل دلالات كبيرة، أبرزها استئناف تدفق الجماعات السياحية الأجنبية عبر شركات التنظيم المتخصصة وليس الرحلات الفردية، وغالباً ضمن برامج مدفوعة مسبقاً تشمل الإقامة والتنقلات والأنشطة، مشددين على أن هذا النوع من الرحلات يُعتبر شرياناً حيوياً للمواسم السياحية في العقبة الساحلية، إذ يضمن تدفقاً منتظماً أسبوعياً من الزوار، مما يمكن الفنادق والمطاعم وشركات النقل من التخطيط الفعال وتشغيل موظفيها بكفاءة أعلى.
وأوضح الخبير الاقتصادي السياحي أيمن جبر أن عودة الطيران إلى العقبة والمملكة عموماً تُمثل دعماً مباشراً للاقتصاد المحلي، حيث تحمل كل رحلة ما بين 150 و200 سائح يصرفون على الإقامة والأنشطة البحرية والتسوق وزيارات البترا ووادي رم وربما مناطق أخرى، مما يولد حركة اقتصادية شاملة تشمل سلاسل النقل والتوريد، ويساهم في استدامة فرص التوظيف في القطاعات الفندقية والخدمية خلال الشتاء الذي يشهد عادة تباطؤاً في النشاط.
وتشير إحصاءات منظمي الرحلات إلى وصول الرحلة الأولى أمس، مع تكرارها أسبوعياً حتى 20 نيسان (أبريل) 2026، بمتوسط 190 سائحاً لكل رحلة، يقضون أسبوعاً في العقبة، ثم ينتقلون إلى البترا ووادي رم والبحر الميت ضمن برنامج المثلث السياحي الذهبي.
تنويع الأسواق الأوروبية التقليدية
وأكد الخبير السياحي يوسف هلالات “هذه الرحلة تمثل نافذة مهمة لإعادة ربط السياح البولنديين بالعقبة”، مشيراً إلى أن “بولندا جاءت في السنوات الأخيرة ضمن أسواق ناشئة للأردن، لا سيما لغايات السفر الثقافي والطبيعة والغطس، ومع استقرار الحركة الجوية، فإن استهداف المسافر البولندي يعكس إستراتيجية تنويع الأسواق التقليدية الأوروبية وربط العقبة بقاعدة سياحية جديدة تحظى بوعي متزايد عن منتج السياحة الأردني”.
وأضاف “هذا الأمر مهم لأن الاعتماد على أسواق محددة يجعل الوجهة أكثر عرضة للتقلبات الجيوسياسية والاقتصادية، أما تنويع الأسواق فيزيد من مرونة قطاع السياحة وقدرته على مواجهة الصدمات”.
وقال العامل في القطاع السياحي عبد الله الصالح إن الآثار الاقتصادية المباشرة والمتوسطة لهذه العودة واضحة، خاصة في رفع نسبة الإشغال بالفنادق والمنتجعات خلال الشتاء الهادئ نسبياً مقارنة بالصيف، مما يطيل فترة التشغيل للعاملين والقطاع الفندقي، ويفتح خيارات التوظيف الجزئي في الخدمات، بالإضافة إلى تحفيز شركات النقل البري والمرشدين وبرامج الرحلات الداخلية التي تركز على البترا ووادي رم، مع تأثير إيجابي على سلسلة التوريد المحلية من المطاعم ومتاجر التذكارات والأنشطة البحرية والغوص والترفيه.
وأضاف الصالح أن كل رحلة أسبوعية تولد مردوداً يفوق تكلفة التذكرة الجوية، إذ تخلق دورة اقتصادية محلية تتوزع على الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
أما الدليل السياحي معمر الحسنات، فاعتبر “أن عودة هذه الرحلات بعد توقف عامين تعني أن سمعة الوجهة السياحية تعافت في الأسواق الأوروبية، وأن الأردن -والعقبة تحديدا- استعاد موقعه على خرائط الشركات السياحية”، مؤكداً “أنها تشكل أداة ترويج مجانية غير مباشرة، لأن الزوار الذين يزورون العقبة ينقلون تجربتهم إلى دوائرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعزز من الصورة الذهنية للوجهة”.
وأكد الحسنات “أن الطيران العارض يعد اختباراً عملياً لجاذبية السوق الأردني، فإذا نجحت الرحلات وتم تمديدها فقد تتحول لاحقاً إلى رحلات منتظمة، وهو ما يرفع قيمة المطار كمحطة دائمة، إلى جانب أنه يفتح الباب أمام تنويع الأسواق السياحية بدل الاعتماد فقط على أسواق تقليدية، مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، لتشمل أوروبا الشرقية ووسط أوروبا، مثل بولندا والتشيك وهنغاريا”.
علامة فارقة في تنشيط السياحة
بدوره، قال مفوض السياحة في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة الدكتور ثابت النابلسي “إن عودة الرحلات الجوية العارضة من بولندا تمثل علامة فارقة في مسار تنشيط السياحة في العقبة بعد انقطاع دام عامين، وهي تؤكد نجاح الجهود المشتركة بين سلطة العقبة وهيئة تنشيط السياحة والمطارات وشركات الطيران في إعادة الوجهة الأردنية إلى الأسواق الأوروبية”.
وأشار إلى أن ما يميز العقبة ويجعلها وجهة جذابة للطيران العارض هو تنوع المنتج السياحي الذي تقدمه المدينة، بدءاً من الشواطئ والغطس والغوص في البحر الأحمر، مروراً بالرحلات الصحراوية إلى وادي رم، وصولاً إلى المواقع التاريخية القريبة مثل البترا، ما يتيح للسائح تجربة متكاملة في وقت قصير.
كما أكد النابلسي أن هذا التنوع يمكن منظمي الرحلات من تقديم باقات سياحية متكاملة تلبي مختلف اهتمامات الزائرين الأوروبيين، ويعزز من فرص بقاء السياح في المدينة لأيام عدة، ما يزيد من الأثر الاقتصادي على القطاع السياحي والفندقي والخدمي، مبيناً أن سلطة العقبة وهيئة تنشيط السياحة تسعيان إلى تثبيت العقبة كوجهة سياحية دائمة على خريطة الرحلات العارضة الأوروبية، مع ضمان جودة الخدمات وتجربة سياحية متكاملة تحقق رضا السائح وتدفعه للترويج للمدينة بشكل طبيعي بين معارفه ومجتمعه السياحي في أوروبا.
ووفق مدير عام شركة خبراء الأردن للسياحة منظمة الرحلات الجوية صالح هلالات، فإن “تدشين هذا الخط الجوي السياحي المهم جاء بدعم من هيئة تنشيط السياحة وبالتعاون مع وزارة السياحة وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وشركة رينبو البولندية للسياحة، حيث سيشكل انعطافة إيجابية تبشر بموسم قوي للسياحة الشتوية من جانب، وتوصل رسالة إلى العالم بأن الأردن بلد الأمن والأمان والاستقرار والضيافة والكرم من جانب آخر”.
وأضاف هلالات “أن أول رحلة جوية حطت على أرض مطار الملك الحسين أمس، وبواقع رحلة أسبوعيا تمتد لغاية شهر 20 نيسان (أبريل) 2026، حيث سيكون على متن كل رحلة نحو 190 سائحا، سيمضون فترة أسبوع في مدينة العقبة يتخللها برنامج سياحي لزيارة مدينة البترا ومنطقة وادي رم”.
وأكد “أن خبراء الأردن للسياحة عملت على التسويق للوطن ولمنطقة المثلث السياحي الذهبي من خلال المشاركة في المعارض وتنفيذ حملات التسويق بالتعاون مع كبرى شركات السياحة العالمية تمهيدا لهذه الخطوة”، مشيراً إلى “أن الأردن يعد من الوجهات السياحية الواعدة في السوق البولندي، وأن هناك رغبة لدى المهتمين بالسياحة بزيارة المملكة”.



